ظاهرة الإعجاب بين الفتيات

 

ظاهرة الإعجاب بين الفتيات


إنها والله لظاهرة سيئة وغريبة انتشرت انتشارًا واسعًا .

هي فتنة من فتن هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان ، وزاحم فيه حب المخلوقين حب خالقهم .

لا تكاد تخلو مدرسة وخاصة للبنات من هذه الظاهرة .

فما أسبابها ... وما علاجها ... ؟؟


من بين مظاهر هته الظاهرة :


- اتصالات هاتفية من المعجبة تستمر الساعات الطوال ... دون حاجة .
- تكثر هذه الظاهرة في الكليات ومدارس البنات وخاصة في المجمعات بين المتوسط والثانوي سواء بين طالبة وطالبة أو طالبة ومعلمة .
- كتابة الرسائل والمبالغة في اختلاق سبب لذلك وتتبع أخبار المحبوبة وأحيانًا لتدخل في شؤونها الخاصة .
- التقليد الأعمى للمحبوبة في كل شيء سواء في الشكل أو طريقة الكلام أو المداومة على لغة الورود مع المحبوبة وتقديم الهدايا .
- مطاردة محبوبتها في كل مكـان ، وكثرة محادثتها لغير فائــدة ، والتفكير الدائم بها .

أسباب إنتشار هته الظاهرة:

(1) انتكاس موازين الحب في الله 

انتكاس موازين الحب في الله والبغض في الله اللذين هما أوثق عرى الإيمان فاختلط الحابل بالنابل ، تأتي إحداهن وتقولها بملء فيها [ أحبك في الله ] وهي بعيدة كل البعد عن هذه المحبة وتترفع هذه المحبة منها ؛ لأنها تربط ذلك بالنظرات المتلاحقة لمن أعْجِبَتْ بها ، والكلمات الغرامية وغير ذلك ، وكان الأوْلى أن تقول مثلاً : ( أحبك من أجل شكلك أعجبني ، أو أحبك حبًا مؤقتًا .... ) .
نعم هذه محبة ، ولكن في أي شيء ؟! في المال ، أم في الشكل ، أم في الجمال ، أم في المرح معها ؟ المحبة في الله أعزُّ من أن تخط إلى هذا المستوى .
وسنوضح في بيان علاج هذا الإعجاب مفهوم الحب في الله الحقيقي .

(2) ضعف الإيمان

غالبًا يصدر الإعجاب من الفتاة في وقت تغلب عليها الغفلة وقلة الأعمال الصالحة التي تربط المؤمن بالله تعالى ، وتحصِّنه من الشيطان ، فلما انشغل قلبها بمحبوبتها ، فتفكر فيها جل وقتها ، فكان هذا مدخلاً للشيطان عليها .

(3) التجمل والاهتمام بالشكل الزائد عن المعقول

من أسباب الوقوع في الإعجاب تجمُّل بعض الفتيات من طالبات أو معلمات ، تجملاً زائدًا عن المعقول ، مما يؤدي إلى الافتتان بهنَّ ، فتلبس الواحدة منهنَّ ما يفتن كالضيِّق أو المفتوح أو تقص القصات الغربية لشعرها ، وتبالغ في ذلك لدرجة تلفت النظر .

(4) وقت الفراغ غير المستغل

عدم استغلال أوقات الفراغ فيما ينفع ، فالشباب طاقة فلا ينبغي أن تضيع فيما لا ينفع ، وغالب أسباب وقوع الفتيات في هذه الظاهرة هو فراغ أوقاتهن وكذلك فراغهنَّ الروحي ، فمن المؤسف والمحزن أن يشغل هذا الفراغ بهذه الأمور التافهة .
وفي المقابل نجد الأعداء تجمَّعوا وتعاونوا في عملهم لتحقيق ما لديهم من غايات وأهداف ، والدول الكافرة في سباق دولي في جميع المجالات ، وفي تخطيط يستهدف المسلمين .
وفـي الوقت نفسه نجد أبناء المسلمين وبناتهـم يشغلون غالب أوقاتهم في هذه الأمور التافهة وأمثالها ، فهذا هو حال أغلب شبابنا مع الأسف !
( ولذلك نجد أن عدد المسلمين ألف مليون ولا أثر لهم على الساحة العالمية سوى الانتصارات الرياضية ، فالفراغ والصحة والمال ثالوث مدمر إذا لم يوجد التوجيه السليم ) .
فلو انشغلت هذه الفتاة بما ينفعها ويملأ فراغها لما وجدت الوقت تلاحق فيه محبوبتها .

(5) اهتمام المدرسات بطالبات دون غيرهن

الاهتمام الزائد من بعض المدرسات بطالبة معينة لجمالها أو رشاقتها أو تفوقها ، فما يؤدي إلى استمالة الطالبة وبالتالي تعلقها بها ، وقد لا تشعر المدرسة بذلك السبب .

(6) مسلسلات الحب والقصص الغرامية

من أعظم أسباب انتشار هذه الظاهرة ( الإعجاب ) ما تعرضه وسائل الإعلام بأنواعها من قصص الحب والغرام مما يؤجِّجُ في الفتاة مشاعر الحب فلا تجد لها مصرفًا سوى هذا الطريق وهذا بالطبع يكون على خطوات حتى يصل بها أحيانًا إلى العشق وأحيانًا إلى ما حرَّم الله ، قـال تعالـى : ( فمن ابتغى وراء ذلك فألئك هم العادون )  سورة المؤمنون .
والمعجبة غير المحبة في الله أحيانًا يصل بها إلى أن تشتهي النظر إلى من أعجبت بها أو محادثتها لمجرد المحادثة أو لمسها بالمصافحة أو المعانقة أو حتى التقبيل عافانا الله من هذا البلاء ) 

(7) ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من العوامل المساعدة على انتشار هذه الظاهرة هو ترك الإنكار على من ابتلين بهذا الداء ، وتعويض ذلك بالحديث عنهن وغيبتهن في المجالس واجتماعات المدرسات مثلاً ، ولو أن كل من رأى من ابتليت بهذا الأمر فنصحها وبين لها طريق الحق دون جرح لها أو سخرية أو تشهير ورافق ذلك الإخلاص من الناصحة ، والموعظة الحسنة لأثمر ذلك كثيرًا وحدَّ من انتشار هذه الظاهرة .

علاج هته الظاهرة :

(1) التعريــف بحقيـقة الحــب فــي اللـه

معرفة حقيقة الحب في الله وما هي معاييره وضوابطه والذي تؤجر عليه كما ورد في الأحاديث التي تبين فضل الحب في الله ، ومن هذه الأحاديث :
مـا رواه مسلم فـي صحيحـه مـن حديـث أبـي هريـرة – رضي الله عنه - قـال : قـال رسـول الله – صلى الله عليه و سلم - : (( يقول الله تعالى يوم القيامة بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي )) .
وفي حديث آخر : (( قال الله عز وجل : المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء )) .
وفي حديث آخر : (( قال الله تبارك وتعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ ، والمتزاورين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ )) .
والأحاديث كثيرة في ذلك .
ولكن ليس هذا الأجر لأي محبة ، بل للحب في الله فما معنى ذلك ؟
أي لا أحب من أجل منصب ولا من أجل مصلحة ولا من أجل جمال أو مرح أو زينة ، بل أعظم من ذلك ، إنه في الله . فأحب فلانة ؛ لأنها طائعة لله وهذا شيء يحبه الله وأحبها لخلقها الذي يحبه الله ، وأفرح لفعلها الخير وأحزن ولا أرض ارتكابها للمعصية ، أنصحها إن أخطأت وأقف معها إن كانت على صواب حتى وإن لم أرها دائمًا ، حتى وإن لم ألتقي بها إلا قليلاً ، فلا يؤثر ذلك على محبتي لها ، أعطيها حقوق الأخوة الواجبة لها .
( فإذا فعلنا ذلك حصلنا على أجر المحبة في الله ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( حقيقة التوحيد ألا يحب إلا لله وتحب ما يحبه الله ، فلا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله . قال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله ) سورة البقرة ، الآية : 165 ..
فالفرق ثابت بين الحب لله والحب مع الله ، فأهل التوحيد يحبون غير الله لله والمشركون يحبون غير الله مع الله ) 

(2) معرفة عقوبة محبة غير الله لغير الله أو مع الله

أن تتعرف هذه المعجبة على عقوبة محبة غير الله لغير الله في الدنيا والآخرة وبالتالي تحاول التخلص منها ، ففي الدنيا : 1- الألم والحسرة كلَّما فارقتها .
2- اشتغال القلب بها وبما لا ينفع ، وقد قال العلامة ابن القيم : ( ولو لم يكن للقلب المشتغل بمحبة غير الله ، المعرض عن ذكره العقوبة ، إلا صدأ قلبه وقسوته وتعطيله عما خُلِقَ له لكفى بذلك عقولة وقد قال - رسول الله صلى الله عليه و سلم - : (( إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد )) . قيل يا رسول الله : ( فما جلاؤها ) ؟ قال : (( تلاوة القرآن )) .
وأما عقوبته في الآخرة : فكل محبة لغير الله ستنقلب عداوة يوم القيامة ، قال تعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) سورة الزخرف ، الآية : 67 .

(3) تقوية الإيمان والدعاء والتقرب إلـى الله تعالى

تقوية الإيمان وبذلك بفعل ما يسبب زيادته من الأعمال الصالحة وتلاوة القرآن وأداء الصلاة بخشوع ودعاء الله تعالى أن يرزقنا محبته ومحبة من يحبه .
والدعاء أمره عظيم ، ننصح من ابتليت بهذا الداء أن تلزمه ( ولا يرد القضاء مثل الدُّعاء ) .
فاحرصي أخيتي على التقرب إلى الله بالعبادات ، وقد ورد في الصحيح : ( قال تعالى : ما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلـيَّ بالنوافل حتى أحبه ـ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها .... ) الحديث .

(4) واجب المعلمة

ويقع على عاتق المعلمة واجب عظيم للحدِّ من هذه الظاهرة وانتشارها :
أ - فيجب أن تعرف أن التدريس ليس مجرد إلقاء درس من المقرر على الطالبات بقدر ما هو توجيه ونصح وإرشاد ، يقول الشاعر :
الأم مدرسـة إذا أعددتهــا أعددت شعبًا طيب الأعراق
فيا معلمات أعددن الفتيات إعدادًا إسلاميًا ، ووجهوهن إلى ما يبعدهن عن هذه التصرفات .
ب - على المعلمة ألا تقبل أي هدية تهدى لها من الطالبة حتى ولو صغرت كوردة مثلاً أو غيرها ؛ لأن ذلك لا يجوز شرعًا فهذه الهدية من هدايا العمَّال .
جـ - عدم قبول الرسائل من الطالبات وخاصة التي تحمل كلمات الإعجاب وما لا يليق ، فهناك من المدرسات من تصلها الرسالة تلو الرسالة ولا تنكر عليهن إن لم تكن ترضى ، أو ترضى بها .
د - عقد الندوات في المدارس لتنبيه الطالبات لخطورة مثل هذا الداء .

(5) تذكيــر مـن ابتليــت بهـذا الـداء بما يأتـي

أ - أن تتذكر هذه المعجَبَة بأن من ترك شيئًا لله عوضه خيرًا منه ، فإذا تركت هذا التعلق وأخلصت النية في تركه سيعوضها الله ما هو أعظم منه .
ب - أن تتذكر لحظات الاحتضار وأنـه قد تحسن خاتمة الإنسان وقد تسوء ، فينطق بما تعلق به قلبه ، فكيف بك أخيتي وأنت لا تستطيعين ذكر لا إله إلا الله بسبب تعلقك بمحبوبتك التي قد تلهجين باسمها في آخر لحظات حياتك .
جـ - ألا تحتقر هذه المعصية وتعلم أن الذنوب تجتمع فتهتك صاحبها .

 (6) بـذل النصـح لـمـن ابتليــت بذلــك 

على كل مسلمة بذل النصح لمن ابتليت بهذا الداء وإيضاح الحق لها ؛ لأن في ذلك إنقاذ لها مما هي فيه وهذا من حق المسلم على المسلم .
ففـي يـوم القيامة يتعلق الجار بجاره ومـن يراه على منكر ولـم ينكر عليه يوم العرض على الله فيقول رأيتني على منكـر فلم تنصحني ، وتخيلـي أخيتي لو أن كـل واحدة منا رأت ذلك فأنكرت ونصحت بالتي هي أحسن بدون فضيحة أو تشهير ... وإذا حدث هذا فلن نرى هذا الانتشار الواسع لهذه الظاهرة .

(7) غــض البصــر ممـن ابتليــت بذلــك

فعلى المسلمة غض البصر عمَّن تخشى الفتاة الافتتان بها ؛ لأن النظر بشهوة محرم ولو كان من امرأة لامرأة ، ففيه تهذيب للنفوس والبعد بها عمَّا لا يحل .

(8) ترك ما يفتن مــن الملابس المحرمة

نقول لمن تلبس الملابس الفاتنة : تذكري أنك ستمتحنين في قبرك وستسألين يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة ولا مؤنس لك في قبرك إلا العمل الصالح ، هذا الجسم الذي طالما بالغت مبالغة شديدة في العناية به وتجميله بما حرَّم الله ستحرقه النار ما لم تقيه بالعمل الصالح ، وتذكري عند لبسك الضيق ضيق القبر وضمته .

(9) مخالفة الهوى

من أعظم الأسباب في الوقوع في هذا هو اتباع الهوى فهذه المعجبة بسبب اتباعها لما تهواه وقعت في هذا المحظور وقد يستفحل الأمر غالبًا إلى العشق وفي هذا فساد ومرضٌ للقلب فلهذه نقول ما ذكره العلامة ابن القيم :
(( إن أعدى عدو للمرء شيطانه وهواه ، ومن نصر هواه وما تشتهيه نفسه فسد عليه عقله ورأيه ، وإذا خالف هواه في هذا الأمر وصدع للحق فإن ذلك يطرد الداء عن القلب ويورث العبد قوة في بدنه وقلبه ولسانه وفي الحديث الصحيح : ( ليس الشديد بالسرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده )) .

وأخيرًا ....
أختم هذا الموضوع بشكر الله تعالى على ما وفقني إلى كتابته ، فما أصبت فيه فمن الله ، وما أخطأت فمن نفسي والشيطان .
( اللهـم إني أسألك حبـك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك ، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوةً لي فيما تحب .
اللهم اجعل حبك أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي ومن الماء البارد على الظمآن ) .

يا سميع الدعاء

وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.